في قرى آفطوط: العطش وشح المياه معاناة تتجدد (تقرير)
تانيد ميديا : على ضفاف بحيرة مال تتناثر محافر المياه التي يلجأ إليها السكان في شهور الصيف الطويلة لتأمين أبسط احتياجاتهم من المياه العكرة والتي لا يجدون غيرها بعدما شدوا إليها المآزر و الرحال من مسافات بعيدة تصل إلى عشرات الكلمترات.
إنها رحلة “سيزيفية” لا يمكن التخلف عندها ويشكل يومي من أجل التزود بالمياه يقول السالم الذي ينتظر دوره عند إحدى هذه النقاط الشحيحة في مستقر الوادي، أما فاطمة بنت العيد براميلها الخمس فلا تسقي حتى يصدر الرعاء لذا عليها الانتظار أطول تحت أشعة شمس حارقة وبالصبر على لفحات الصيف الحارقة الممزوجة بالرمال المتحركة.
رغم أن المكان لا يبعد كثيرا عن مركز مال الإداري إلا أن الوضع لا يختلف كثيرا لدى سكان العديد من أحياء هذه المدينة التي لديها تاريخ طويل مع العطش وشح المياه كما يعلق أحد الساكنة مضيفا أن الخزان المركزي لا يسد حاجة الساكنة خاصة في مواسم الصيف، مما يجعل أحياء كثيرة تعتمد على البراميل المحمولة على عربات الحمير والتي غالبا ما يكون مصدر مياهها تلك المحافر المنتشرة في أرجاء البحيرة.
وهذه الوضعية تتقاسمها مع تجمع بوورات.
تصحر وجفاف
غير بعيد خلف انحسار البحيرة السطحية مساحات جرداء تكشف عن تصحر المكان وتعرضه لعوامل التعرية.
على أطلال البحرية الناضبة توجد حظائر تضم ما يشبه واحات للنخيل تعتمد هي الأخرى على المياه من آبار سطحية، كما يشرح المزارع الناجي ولد حمود إن آثار النيران في بعض من هذه الحظائر هي للتخلص من الحشائش الضارة وتهيئة الأرض لاستقبال موسم الأمطار الذي أصبح على الأبواب، مضيفا أن التعاونيات الزراعية تعمل على استغلال مثل هذه الحظائر في زراعة بعض الخضروات والبقوليات الشتوية وقبل انحسار مياه البحيرة بشكل كامل.
ما زال السكان أوفياء لأدوات نزح المياه العتيقة من دلاء وأحيانا براميل بلاستيكية صغيرة موصولة بعصي طويلة في حال كان منسوب المياه أقرب إلى السطح، وإلا فلا مناص من توصيل الدلاء برشى طويلة وسحبها على بكرات من الخشب أو الحديد كما يقول الناجي ولد حمود.
في موسم الصيف يخرج الجميع في مهام توفير المياه ولا يعفى من ذلك حتى المراهقين والصغار، فقوافل جلب المياه على عربات الحمير تزحم الطرقات وتملأ جنبات المكان..
معاناة تتفاقم
ويحذر ولد حمود،من تفاقم أزمة العطش مضيفا إنّ فصل الصيف في نهايته ودرجات الحرارة في ارتفاع متزايد، مما يعرض حياة السكان ومواشيهم للخطر، وانعدام أي بارقة أمل فعالة لسد خلة السكان غير الوفاء للوسائل التقليدية التي ألفها الناس وظلت طوق نجاتهم الوحيد في مثل هذه الظروف البائسة على حد تعبيره.
ويضيف أنّ السكان في المناطق النائية ليست لديهم مطالب سوى حل أزمة العطش، وتأمين المياه لأنفسهم ولمواشيهم التي يعتمدون عليها في قوتهم، لكن الأمر يزداد تعقيد ومعاناة العطش طال عليها الأمد وقد آن أن تجد من يساعد في التخفيف من تداعياتها وانعاكاساتها الخطيرة لاسيما الصحية حيث تصنف مناطق آفطوط كمناطق موبؤة بدودة غينيا وأمراض الطفيليات التي سببها الأول شرب المياه الملوثة فضلا عن أمراض المسالك البولية والبلهارسيا.
ومن القرى التي تعاني من شح المياه قرية بوزريبيه لكن الخطر يكمن في ارتفاع ملوحة الآبار في المنطقة مما يؤدي إلى الإصابة بأمراض ارتفاع الضغط الشرايني المزمن، وأمراض القلب، وحصى الكلى، كما أثبتت فحوصات مخبرية ارتفاع نسبة مادة “النيترات” السامة في هذه الآبار كما يقول أحد الساكنة.
لا يعول السكان كثيرا على رفع الشكاوى إلى الجهات المعنية ما دام لسان الحال أبلغ من المقال، وما دامت الأنظمة المتعاقبة لم تلق بالا لهذا المطالب، وظلت تتجاهل معاناتهم المتفاقمة يوما بعد آخر جراء العطش والعزلة وتردي المتوفر من الخدمات يعلق أحد الساكنة.
جهود خجولة
وكان وزير المياه قد تفقد في إبريل الماضي ورش العمل لإنجاز المرحلة الثانية من مشروع تزويد منطقة آفطوط الشرقي بالماء الشروب.
و قد تم تمويل هذه المرحلة بالتعاون بين الدولة الموريتانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي ساهم بمبلغ 24 مليون يورو في السنوات الأربع الأولى من المشروع الهادف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان في ولايات (كوركول لعصابة البراكنة) من خلال توفير المياه الصالحة للشرب.
و أعلن الوزير حينها عن استكمال إجراءات توحيد تسعرة الماء على عموم التراب الوطني تنفيذا للقرار الصادر في بيان اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 15 فبراير 2023 ، مبينا أن سكان الوسط الريفي و شبه الحضري سيستفيدون من هذا الإجراء و لأول مرة حيث يبلغ مستوى استهلاكهم الشهري 10 أطنان من المياه بحيث ستبلغ التعرفة الجديدة 99 أوقية قديمة للمتر المكعب .